نجمه بالسما مشرفة الحزن الاسلامى
عدد المساهمات : 382 تاريخ التسجيل : 21/03/2011
| موضوع: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الثلاثاء يونيو 21, 2011 11:51 am | |
| [b]الأوزاعي
(ع)
عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد ،
شيخ الإسلام ، وعالم أهل الشام ،
أبو عمرو الأوزاعي.
كان يسكن بمحلة الأوزاع ، وهي العقيبة الصغيرة ظاهر باب الفراديس
بدمشق ، ثم تحول إلى بيروت مرابطا بها إلى أن مات.
وقيل : كان مولده ببعلبك .
حدث عن : عطاء بن أبي رباح ، وأبي جعفر الباقر ، وعمرو بن شعيب ، ومكحول ، وقتادة ، والقاسم بن مخيمرة ، وربيعة بن يزيد القصير ، وبلال بن سعد ، والزهري ، وعبدة بن أبي لبابة ، ويحيى بن أبي كثير ، وأبي كثير السحيمي اليمامي ، وحسان بن عطية ، إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ، ومطعم بن المقدام ، وعمير بن هانئ العنسي ، ويونس بن ميسرة ومحمد بن إبراهيم التيمي ، وعبد الله بن عامر اليحصبي ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، والحارث بن يزيد الحضرمي.
وحفص بن عنان ، وسالم بن عبد الله المحاربي ، وسليمان بن حبيب المحاربي ، وشداد أبي عمار ، وعبد الله بن عبيد بن عمير ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبد الواحد بن قيس ، وأبي النجاشي عطاء بن صهيب ، وعطاء الخراساني ، وعكرمة بن خالد ، وعلقمة بن مرثد ، ومحمد بن سيرين ، وابن المنكدر ، وميمون بن مهران ، ونافع مولى ابن عمر ، والوليد بن هشام ، وخلق كثير من التابعين ، وغيرهم.
وكان مولده في حياة الصحابة .
روى عنه : ابن شهاب الزهري ، ويحيى بن أبي كثير -وهما من شيوخه- وشعبة ، والثوري ، ويونس بن يزيد ، وعبد الله بن العلاء بن زير ، ومالك ، وسعيد بن عبد العزيز ، وابن المبارك ، وأبو إسحاق الفزاري ، وإسماعيل بن عياش ، ويحيى بن حمزة القاضي ، وبقية بن الوليد ، والوليد بن مسلم ، والمعافى بن عمران ، ومحمد بن شعيب ، وشعيب بن إسحاق ، ويحيى القطان ، وعيسى بن يونس ، والهقل بن زياد ، ومحمد بن يوسف الفريابي ، وأبو المغيرة الحمصي ، وأبو عاصم النبيل ، ومحمد بن كثير المصيصي ، وعمرو بن عبد الواحد ، ويحيى البابلتي ، والوليد بن مزيد العذري ، وخلق كثير .
قال محمد بن سعد : الأوزاع بطن من همدان ، وهو من أنفسهم ، وكان ثقة . قال : وولد سنة
ثمان وثمانين ،
وكان خيرا ، فاضلا ، مأمونا كثير العلم والحديث والفقه ، حجة . توفي سنة
سبع وخمسين ومائة
وأما البخاري فقال : لم يكن من الأوزاع بل نزل فيهم .
قال الهيثم بن خارجة : سمعت أصحابنا يقولون : ليس هو من الأوزاع ، هو ابن عم
يحيى بن أبي عمرو السيباني لَحًّا ، إنما كان ينزل قرية الأوزاع ، إذا خرجت من باب الفراديس .
قال ضمرة بن ربيعة : الأوزاع : اسم وقع على موضع مشهور بربض دمشق ، سمي بذلك ؛ لأنه سكنه بقايا من قبائل شتى ، والأوزاع : الفرق ، تقول : وزعته ، أي : فرقته .
قال أبو زرعة الدمشقي : اسم الأوزاعي : عبد العزيز بن عمرو بن أبي عمرو ، فسمى نفسه عبد الرحمن ، وكان أصله من سبي السند ، نزل في الأوزاع ، فغلب عليه ذلك ، وكان فقيه أهل الشام ، وكانت صنعته الكتابة والترسل ، ورسائله تؤثر .
قال أبو مسهر وطائفة : ولد سنة
ثمان وثمانين
ضمرة : سمعت الأوزاعي يقول : كنت محتلما ، أو شبيها بالمحتلم في خلافة عمر بن عبد العزيز . وشذ محمد بن شعيب ، عن الأوزاعي ، فقال : مولدي سنة
ثلاث
وتسعين
فهذا خطأ .
قال الوليد بن مزيد : مولده ببعلبك ، ومنشؤه بالكرك
-قرية بالبقاع- ثم نقلته أمه إلى بيروت .
قال العباس بن الوليد : فما رأيت أبي يتعجب من شيء في الدنيا ، تعجبه من الأوزاعي . فكان يقول : سبحانك تفعل ما تشاء! كان الأوزاعي يتيما فقيرا في حجر أمه ، تنقله من بلد إلى بلد ، وقد جرى حكمك فيه أن بلغته حيث رأيته ، يا بني ، عجزت الملوك أن تؤدب أنفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه ، ما سمعت منه كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه ، ولا رأيته ضاحكا قط حتى يقهقه ، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد ، أقول في نفسي : أترى في المجلس قلب لم يبك ؟ ! .
الفسوي : سمعت العباس بن الوليد بن مزيد ، عن شيوخهم ، قالوا : قال الأوزاعي : مات أبي وأنا صغير ، فذهبت ألعب مع الغلمان ، فمر بنا فلان -وذكر شيخا جليلا من العرب- ففر الصبيان حين رأوه ، وثبتُّ أنا ، فقال : ابن من أنت؟ فأخبرته . فقال : يا ابن أخي، يرحم الله أباك . فذهب بي إلى بيته ، فكنت معه حتى بلغت ، فألحقني في الديوان ، وضرب علينا بعثا إلى اليمامة ، فلما قدمناها ، ودخلنا مسجد الجامع ، وخرجنا ، قال لي رجل من أصحابنا : رأيت يحيى بن أبي كثير معجبا بك ، يقول : ما رأيت في هذا البعث أهدى من هذا الشاب ! قال : فجالسته فكتبت عنه أربعة عشر كتابا ، أو ثلاثة عشر ، فاحترق كله .
ابن زبر : حدثنا الحسن بن جرير ، حدثنا محمد بن أيوب بن سويد ، عن أبيه : أن الأوزاعي خرج في بعث اليمامة ، فأتى مسجدها ، فصلى ، وكان يحيى بن أبي كثير قريبا منه ، فجعل ينظر إلى صلاته ، فأعجبته ، ثم إنه جلس . إليه ، وسأله عن بلده ، وغير ذلك ، فترك الأوزاعي الديوان ، وأقام عنده مدة يكتب عنه ، فقال له : ينبغي لك أن تبادر البصرة لعلك تدرك الحسن وابن سيرين ، فتأخذ عنهما . فانطلق إليهما ، فوجد الحسن قد مات ، وابن سيرين حي ، فأخبرنا الأوزاعي : أنه دخل عليه فعاده ، ومكث أياما ومات ، ولم يسمع منه ، قال : كان به البطن
.
قال محمد بن عبد الرحمن السلمي : رأيت الأوزاعي فوق الربعة ، خفيف اللحم ، به سمرة ، يخضب بالحناء .
محمد بن كثير : عن الأوزاعي ، قال : خرجت أريد الحسن ومحمدا ، فوجدت الحسن قد مات ، ووجدت ابن سيرين مريضا .
قال عبد الرزاق : أول من صنف ابن جريج ، وصنف الأوزاعي . أبو مسهر : حدثني الهقل ، قال : أجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة ، أو نحوها .
قال إسماعيل بن عياش : سمعت الناس في سنة أربعين ومائة يقولون : الأوزاعي اليوم عالم الأمة . أخبرنا أبو مسهر ، حدثنا سعيد ، قال : الأوزاعي هو عالم أهل الشام . وسمعت محمد بن شعيب يقول : قلت لأمية بن يزيد : أين الأوزاعي من مكحول ؟ قال : هو عدنا أرفع من مكحول .
قلت : بلا ريب هو أوسع دائرة في العلم من مكحول .
محمد بن شعيب ، قال : ثم قال أمية : كان قد جمع العبادة والعلم والقول بالحق . قال العباس بن الوليد البيروتي : حدثني رجل من ولد الأحنف بن قيس ، قال : بلغ الثوري ، وهو بمكة ، مقدم الأوزاعي ، فخرج حتى لقيه بذي طوى
فلما لقيه ، حل رسن البعير من القطار ، فوضعه على رقبته ، فجعل يتخلل به ، فإذا مر بجماعة قال : الطريق للشيخ
. روى نحوها المحدث سليمان بن أحمد الواسطي ، حدثنا عثمان بن عاصم . وروى شبيها بها إسحاق بن عباد الختلي
عن أبيه : أن الثوري . . . بنحوها .
قال أحمد بن حنبل : دخل سفيان الثوري والأوزاعي على مالك ، فلما خرجا قال : أحدهما أكثر علما من صاحبه ، ولا يصلح للإمامة ، والآخر يصلح للإمامة -يعني الأوزاعي للإمامة
. مسلمة بن ثابت : عن مالك ، قال : الأوزاعي إمام يقتدى به . الشاذكوني : سمعت ابن عيينة يقول : كان الأوزاعي والثوري بمنى ، فقال الأوزاعي للثوري : لم لا ترفع يديك في خفض الركوع ورفعه ؟ . فقال : حدثنا يزيد بن أبي زياد . . .
فقال الأوزاعي : روى لك الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعارضني بيزيد رجل ضعيف الحديث ،
وحديثه مخالف للسنة ، فاحمر وجه سفيان . فقال الأوزاعي : كأنك كرهت ما قلت؟ قال : نعم . فقال : قم بنا إلى المقام نلتعن أينا على الحق . قال : فتبسم سفيان لما رآه قد احتد .
علي بن بكار : سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول : ما رأيت مثل الأوزاعي والثوري ! . فأما الأوزاعي ، فكان رجل عامة ، وأما الثوري ، فكان جل خاصة نفسه ، ولو خيرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي -يريد الخلافة.
قال علي بن بكار : لو خيرت لهذه الأمة ، لاخترت لها أبا إسحاق الفزاري .
قال الخريبي : كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه .
وعن نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك ، قال : لو قيل لي : اختر لهذه الأمة، لاخترت سفيان الثوري والأوزاعي ، ولو قيل لي : اختر أحدهما ، لاخترت الأوزاعي ؛ لأنه أرفق الرجلين . وكذا قال في هذا المعنى أبو أسامة .
قال عبد الرحمن بن مهدي : إنما الناس في زمانهم أربعة : حماد بن زيد بالبصرة ، والثوري بالكوفة ، ومالك بالحجاز ، والأوزاعي بالشام .
قال أحمد بن حنبل : حديث الأوزاعي عن يحيى مضطرب . الربيع المرادي : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت رجلا أشبه فقهه بحديثه من الأوزاعي .
قال إبراهيم الحربي : سألت أحمد بن حنبل : ما تقول في مالك ؟ قال : حديث صحيح ، ورأي ضعيف . قلت : فالأوزاعي ؟ قال : حديث ضعيف ، ورأي ضعيف . قلت : فالشافعي ؟ قال : حديث صحيح ، ورأي صحيح . قلت : ففلان ؟ قال : لا رأي ولا حديث .
قلت : يريد أن الأوزاعي حديثه ضعيف من كونه يحتج بالمقاطيع ، وبمراسيل أهل الشام ، وفي ذلك ضعف ، لا أن الإمام في نفسه ضعيف .
قال الوليد بن مسلم : رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه ، يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف : أن ذلك كان هديهم ، فإذا طلعت الشمس ، قام بعضهم إلى بعض ، فأفاضوا في ذكر الله ، والتفقه في دينه . عمر بن عبد الواحد : عن الأوزاعي ، قال : دفع إلي الزهري صحيفة ، فقال : اروها عني . ودفع إلى يحيى بن أبي كثير صحيفة ، فقال : اروها عني . فقال ابن ذكوان : حدثنا الوليد قال : قال الأوزاعي : نعمل بها ، ولا نحدث بها -يعني الصحيفة .
قال الوليد : كان الأوزاعي يقول : كان هذا العلم كريما ، يتلاقاه الرجال بينهم ، فلما دخل في الكتب ، دخل فيه غير أهله . وروى مثلها ابن المبارك ، عن الأوزاعي.
ولا ريب أن الأخذ من الصحف وبالإجازة يقع فيه خلل ، ولا سيما في ذلك العصر ، حيث لم يكن بعد نقط ولا شكل ، فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى ، ولا يقع مثل ذلك في الأخذ من أفواه الرجال ، وكذلك التحديث من الحفظ يقع فيه الوهم ، بخلاف الرواية من كتاب محرر
. محمد بن عوف : حدثنا هشام بن عمار : سمعت الوليد يقول : احترقت
كتب الأوزاعي زمن الرجفة
ثلاثة عشر قُنداقًا
فأتاه رجل بنسخها ، فقال : يا أبا عمرو ، هذه نسخة كتابك ، وإصلاحك بيدك ، فما عرض لشيء منها حتى فارق الدنيا .
وقال بشر بن بكر التنيسي : قيل للأوزاعي : يا أبا عمرو ، الرجل يسمع الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه لحن ، أيقيمه على عربيته؟ قال : نعم ، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يتكلم إلا بعربي . قال الوليد بن مسلم : سمعت الأوزاعي يقول : لا بأس بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث
.
منصور بن أبي مزاحم ، عن أبي عبيد الله كاتب المنصور ، قال : كانت ترد على المنصور كتب من الأوزاعي نتعجب منها ، ويعجز كتابه عنها ، فكانت تنسخ في دفاتر ، وتوضع بين يدي المنصور ، فيكثر النظر فيها استحسانا لألفاظها ، فقال لسليمان بن مجالد -وكان من أحظى كتابه عنده- : ينبغي أن تجيب الأوزاعي عن كتبه جوابا تاما . قال : والله يا أمير المؤمنين ، ما أحسن ذلك ، وإنما أرد عليه ما أحسن ، وإن له نظما في الكتب لا أظن أحدا من جميع الناس يقدر على إجابته عنه ، وأنا أستعين بألفاظه على من لا يعرفها ممن نكاتبه في الآفاق .
قلت : كان الأوزاعي مع براعته في العلم ، وتقدمه في العمل كما ترى رأسا في الترسل -رحمه الله.
الوليد بن مزيد : سئل الأوزاعي عن الخشوع في الصلاة ، قال : غض البصر ، وخفض الجناح ، ولين القلب ، وهو الحزن ، الخوف .
قال : وسئل الأوزاعي عن إمام ترك سجدة ساهيا حتى قام وتفرق الناس . قال : يسجد كل إنسان منهم سجدة وهم متفرقون . وسمعت الأوزاعي يقول : وسألته : من الأبله
؟ قال : العمي عن الشر ، البصير بالخير . سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا الوليد ، سمعت الأوزاعي يقول : ما أخطأت يد الحاصد ، أو جنت يد القاطف ، فليس لصاحب الزرع عليه سبيل ، إنما هو للمارة وابن السبيل .
روى أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، قال : وَلِيَ الأوزاعيُّ القضاءَ ليزيد بن الوليد ، فجلس مجلسا ، ثم استعفى ، فأُعفيَ ، ووَلَّى يزيدُ ابنَ أبي ليلى الغساني ، فلم يزل حتى قُتل بالغوطة .
قال إسحاق بن راهويه : إذا اجتمع الثوري والأوزاعي ومالك على أمر فهو سُنة .
قلت : بل السُّنة ما سَنَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدون من بعده . والإجماع : هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما وحديثا ؛ إجماعا ظنيا أو سكوتيا ، فمن شذ عن هذا الإجماع من التابعين أو تابعيهم لقول باجتهاده احتمل له . فأما من خالف الثلاثة المذكورين من كبار الأئمة ، فلا يسمى
مخالفا للإجماع ، ولا للسنة ، وإنما مراد إسحاق : أنهم إذا اجتمعوا على . مسألة فهو حق غالبا ، كما نقول اليوم : لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه ، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة ، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها .
ومن غرائب ما انفرد به الأوزاعي : أن الفخذ ليست في الحمام عورة ، وأنها في المسجد عورة . وله مسائل كثيرة حسنة ينفرد بها ، وهي موجودة في الكتب الكبار ، وكان له مذهب مستقل مشهور ، عمل به فقهاء الشام مدة ، وفقهاء الأندلس ، ثم فني .
سليمان بن عبد الرحمن ، قال : قال عقبة بن علقمة البيروتي : أرادوا الأوزاعي على القضاء ، فامتنع وأبى ، فتركوه .
وقال الأوزاعي : من أكثر ذكر الموت ، كفاه اليسير ، ومن عرف أن منطقه من عمله ، قل كلامه .
أبو صالح كاتب الليث : عن الهقل بن زياد ، عن الأوزاعي : أنه وعظ ، فقال في موعظته : أيها الناس ، تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة ، فإنكم في دارٍ الثواء فيها قليل ، وأنتم مرتحلون وخلائف بعد القرون ، الذين استقالوا من الدنيا زهرتها كانوا أطول منكم أعمارا ، وأجد أجساما ، وأعظم آثارا ، فجددوا الجبال ، وجابوا الصخور
ونقبوا في البلاد ، مؤيدين ببطش شديد ، وأجسام كالعماد ، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم ، وعفت آثارهم ، وأخوت منازلهم ، وأنست ذكرهم ، فما تحس منهم من أحد ، ولا تسمع لهم
ركزا
كانوا بلهو الأمل آمنين ، ولميقات يوم غافلين ، ولصباح قوم نادمين ، ثم إنكم قد علمتم ما نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله ، فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين ، وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمه وزوال نعمه ، ومساكن خاوية ، فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ، وعبرة لمن يخشى ، وأصبحتم في أجل منقوص ، ودنيا مقبوضة ، في زمان قد ولى عفوه ، وذهب رخاؤه ، فلم يبق منه إلا حمة شر ، وصبابة كدر ، وأهاويل غِيَر ، وأرسال فتن ، ورذالة خلف.
الحكم بن موسى : حدثنا الوليد بن مسلم قال : ما كنت أحرص على السماع من الأوزاعي حتى رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام ، والأوزاعي إلى جنبه ، فقلت : يا رسول الله ، عمن أحمل العلم ؟ قال : عن هذا. وأشار إلى الأوزاعي .
قلت : كان الأوزاعي كبير الشأن .
قال عمرو بن أبي سلمة التنيسي : حدثنا الأوزاعي، قال : رأيت كأن ملكين عرجا بي ، وأوقفاني بين يدي رب العزة ، فقال لي : أنت عبدي عبد الرحمن الذي تأمر بالمعروف ؟ فقلت : بعزتك أنت أعلم . قال : فهبطا بي حتى رداني إلى مكاني . رواها عبد الله بن أحمد ، عن الحسن بن عبد العزيز ، عنه .
العباس بن الوليد البيروتي : حدثنا عبد الحميد بن بكار ، عن محمد بن شعيب ، قال : جلست إلى شيخ في الجامع ، فقال : أنا ميت يوم كذا وكذا .
فلما كان ذلك اليوم ، أتيته ، فإذا به يتفلى في الصَّحن ، فقال : ما أخذتم السرير؟ -يعني النعش- خذوه قبل أن تسبقوا إليه . قلت : ما تقول -رحمك الله ؟
قال : هو الذي أقول لك ، رأيت في المنام كأن طائرا وقع على ركن من أركان هذه القبة ، فسمعته يقول : فلان قدري ، وفلان كذا ، وعثمان بن أبي العاتكة : نِعم الرجل ، وعبد الرحمن الأوزاعي خير من يمشي على الأرض ، وأنت ميت يوم كذا وكذا ، قال : فما جاءت الظهر حتى مات ، وأُخرج بجنازته .
قال الوليد بن مزيد : كان الأوزاعي من العبادة على شيء ما سمعنا بأحد قوي عليه ، ما أتى عليه زوال قط إلا وهو قائم يصلي .
قال مروان الطاطري : قال الأوزاعي : من أطال قيام الليل ، هون الله عليه وقوف يوم القيامة .
صفوان بن صالح ، قال : كان الوليد بن مسلم يقول : ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعي .
محمد بن سماعة الرملي : سمعت ضمرة بن ربيعة يقول : حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة ، فما رأيته مضطجعا في المحمل
في ليل ولا نهار قط ، كان يصلي ، فإذا غلبه النوم ، استند إلى القتب .
وعن سلمة بن سلام قال : نزل الأوزاعي على أبي ، ففرشنا له فراشا ، فأصبح على حاله ، ونزعت خفيه ، فإذا هو مبطن بثعلب .
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري : حدثنا بشر بن المنذر ، قال : رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع .
ابن زبر : حدثنا إسحاق بن خالد ، سمعت أبا مسهر يقول : ما رئي
الأوزاعي باكيا قط ، ولا ضاحكا حتى تبدو نواجذه ، وإنما كان يتبسم أحيانا ، كما روي في الحديث
. وكان يحيي الليل صلاة وقرآنا وبكاء . وأخبرني بعض إخواني من أهل بيروت ، أن أمه كانت تدخل منزل الأوزاعي ، وتتفقد موضع مصلاه ، فتجده رطبا من دموعه في الليل .
أبو مسهر : حدثني محمد بن الأوزاعي قال : قال لي أبي : يا بني ، لو كنا نقبل من الناس كل ما يعرضون علينا ، لأوشك أن نهون عليهم .
العباس بن الوليد : حدثنا أبي : سمعت الأوزاعي يقول : عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ، وإن زخرفوه لك بالقول ، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم .
قال بقية بن الوليد : قال لي الأوزاعي : يا بقية، لا تذكر أحدا من أصحاب نبيك إلا بخير . يا بقية، العلم ما جاء عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وما لم يجئ عنهم ، فليس بعلم .
قال بقية ، والوليد بن مزيد : قال الأوزاعي : لا يجتمع حب علي وعثمان -رضي الله عنهما- إلا في قلب مؤمن .
كتب إلي القاضي عبد الواسع الشافعي ، وعدة ، عن أبي الفتح المندائي
أنبأنا عبيد الله بن محمد بن أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أنبأنا جدي في كتاب "الأسماء والصفات"
له ، أنبأنا أبو عبد الله
الحافظ ، أنبأنا محمد بن على الجوهري ببغداد ، حدثنا إبراهيم بن الهيثم ، حدثنا محمد بن كثير المصيصي : سمعت الأوزاعي يقول : كنا -والتابعون متوافرون- نقول : إن الله -تعالى- فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته .
قال الوليد بن مزيد : سمعت الأوزاعي يقول : إذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم الجدل ، ومنعهم العمل .
محمد بن الصباح : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي قال : كتب إلى قتادة من البصرة : إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك ، فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة .
قلت : قوله : كتب إلي -وفي بعض حديثه يقول- : كتب إلي قتادة : هو على المجاز ، فإن قتادة ولد أكمه ، وإنما أمر من يكتب إلى الأوزاعي . ويتفرع على هذا أن رواية ذلك عن الأعمى إنما وقعت بواسطة من كتب ، ولم يسم في الحديث ، ففي ذلك انقطاع بين . خيثمة بن سليمان : حدثنا العباس بن الوليد : سمعت أبي ، سمعت الأوزاعي يقول : جئت إلى بيروت أرابط فيها ، فلقيت سوداء عند المقابر ، فقلت لها : يا سوداء ، أين العمارة ؟ قالت : أنت في العمارة ، وإن أردت الخراب فبين يديك .
أحمد بن عبد الواحد بن عبود : حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، قال : وقع عندنا رجل
من جراد ببيروت ، وكان عندنا رجل له فضل ، فحدث أنه رأى رجلا راكبا ، فذكر من عظم الجرادة ، وعظم الرجل ، قال : وعليه خفان أحمران طويلان ، وهو يقول : الدنيا باطلة ، وباطل ما فيها ، ويومئ
بيده ، حيثما أومأ انساب الجراد إلى ذلك الموضع . رواها علي بن زيد الفرائضي ، عن محمد بن كثير ، سمعت الأوزاعي : أنه هو الذي رأى ذلك .
ابن ذكوان : حدثنا ابن أبي السائب ، عن أبيه ، قال : حدثنا الأوزاعي . يقول مكحول : ما أحرص ابن أبي مالك على القضاء! فقال : لقد كنت ممن سدد لي رأيي .
قال أبو زرعة : أريد على القضاء في أيام يزيد الناقص
فامتنع -يعني الأوزاعي- جلس لهم مجلسا واحدا .
قال الأوزاعي : من أكثر ذكر الموت ، كفاه اليسير ، ومن عرف أن
منطقه من عمله ، قل كلامه .
أبو يعقوب الأذرعي : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن الغمر الطبراني ، حدثنا هاشم بن مرثد : سمعت أحمد بن الغمر ، قال : لما جلت المحنة التي نزلت بالأوزاعي -لما نزل عبد الله بن علي حماة- بعث إليه ، فأشخص
قال : فنزل على ثور بن يزيد الحمصي . قال الأوزاعي : فلم يزل ثور يتكلم في القدر من بعد صلاة العشاء الآخرة إلى أن طلع الفجر ، وأنا ساكت -ما أجابه بحرف-
فلما انفجر الفجر ، صليت ، ثم أتيت حماة
فأدخلت على عبد الله بن علي ، فقال : يا أوزاعي ، أيعد مقامنا هذا
ومسيرنا رباطا؟ فقلت : جاءت الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :
من كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله
ثم ساق القصة
.
يعقوب بن شيبة : حدثنا أبو عبد الملك بن الفارسي ، وهو عبد الرحمن بن عبد العزيز ، حدثنا الفريابي ، حدثنا الأوزاعي ، قال : لما فرغ عبد الله بن علي -يعني عم السفاح- من قتل بني أمية ، بعث إلي ، وكان قتل يومئذ نيفا
وسبعين منهم بالكافركوبات
فدخلت عليه ، فقال : ما تقول في دماء بني أمية ؟ فحدت ، فقال : قد علمت من حيث حدت فأجب. قال : وما لقيت مفوها مثله. فقلت : كان لهم عليك عهد . قال : فاجعلني وإياهم ولا عهد ، ما تقول في دمائهم؟ قلت : حرام ، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث . . .
الحديث .
فقال : ولم ويلك ؟ ! وقال : أليست الخلافة وصية من رسول الله ، قاتل عليها علي -رضي الله عنه- بصفين
؟ قلت : لو كانت وصية ما رضي بالحكمين . فنكس رأسه ، ونكست ، فأطلت ، ثم قلت : البول . فأشار بيده : اذهب . فقمت ، فجعلت لا أخطو خطوة إلا قلت : إن رأسي يقع عندها .
سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى : حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد القارئ ، حدثنا الأوزاعي ، قال : بعث عبد الله بن علي إلي ، فاشتد ذلك علي ، وقدمت ، فدخلت ، والناس سماطان
فقال : ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه ؟ قلت : أصلح الله الأمير ! قد كان بيني وبين داود بن علي مودة
قال : لتخبرني . فتفكرت ، ثم قلت : لأصدقنه ، واستبسلت
للموت ، ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث "الأعمال"
وبيده قضيب ينكت به ، ثم
قال : يا عبد الرحمن : ما تقول في قتل أهل هذا البيت ؟ قلت : حدثني محمد بن مروان ، عن مطرف بن الشخير ، عن عائشة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :
لا
يحل قتل المسلم إلا في ثلاث . . .
وساق الحديث . فقال : أخبرني عن الخلافة ، وصية لنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ فقلت : لو كانت وصية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ترك علي -رضي الله عنه- أحدا يتقدمه . قال : فما تقول في أموال بني أمية؟ قلت : إن كانت لهم حلالا ، فهي عليك حرام ، وإن كانت عليهم حراما ، فهي عليك أحرم . فأمرني ، فأخرجت .
قلت : قد كان عبد الله بن علي ملكا جبارا ، سفاكا للدماء ، صعب المراس ، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى ، لا كخلق من علماء السوء ، الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف ، ويقلبون لهم الباطل حقا -قاتلهم الله- أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق .
خيثمة : حدثنا الحوطي ، حدثنا أبو الأسوار محمد بن عمر التنوحي، قال : كتب المنصور إلى الأوزاعي :
أما بعد . . . فقد جعل أمير المؤمنين في عنقك ما جعل الله لرعيته قبلك في عنقه ، فاكتب إلى بما رأيت فيه المصلحة مما أحببت . فكتب إليه : أما بعد . . فعليك بتقوى الله ، وتواضع يرفعك الله يوم يضع المتكبرين في الأرض بغير الحق ، واعلم أن قرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لن تزيد حق الله عليك إلا عظما ، ولا طاعته إلا وجوبا .
قال محمد بن شعيب : سمعت الأوزاعي يقول : من أخذ بنوادر العلماء ، خرج من الإسلام .
وعن الأوزاعي قال : ما ابتدع رجل بدعة ، إلا سلب الورع . رواها بقية عن معمر بن عريب ، عنه .
الوليد بن مزيد : سمعت الأوزاعي يقول : إن المؤمن يقول قليلا ، ويعمل كثيرا ، وإن المنافق يتكلم كثيرا ، ويعمل قليلا .
قال بشر بن المنذر قاضي المصيصة : رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع .
وقال الوليد بن مزيد : سمعت الأوزاعي يقول : كان يقال : ويل للمتفقهين لغير العبادة ، والمستحلين الحرمات بالشبهات .
العباس بن الوليد بن مزيد : حدثني محمد بن عبد الرحمن السلمي ، حدثني محمد بن الأوزاعي : قال لي أبي : يا بني ، أحدثك بشيء لا تحدث به ما عشت : رأيت كأنه وقف بي
على باب الجنة ، فأخذ بمصراعي الباب ، فزال عن موضعه ، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو بكر وعمر يعالجون رده ، فردوه ، فزال ، ثم أعادوه ، قال : فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا عبد الرحمن : ألا تمسك معنا ؟ فجئت حتى أمسك معهم حتى ردوه .
قال أحمد بن علي الأبار : حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا الحواري بن أبي الحواري قال : دخل الأوزاعي على أبي جعفر ، فلما أراد أن ينصرف ، استعفى من لبس السواد ، فأجابه أبو جعفر ، فلما خرج الأوزاعي ، قالوا له ، فقال : لم يحرم فيه محرم ، ولا كفن فيه ميت ، ولم يزين فيه عروس .
عبد الحميد بن بكار : حدثنا ابن أبي العشرين : سمعت أميرا كان بالساحل يقول -وقد دفنا الأوزاعي ، ونحن عند القبر- : رحمك الله أبا عمرو فلقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني .
قال محمد بن عبيد الطنافسي : كنت عند سفيان الثوري ، فجاءه رجل ، فقال : رأيت كأن ريحانة من المغرب رفعت . قال : إن صدقت رؤياك ، فقد مات الأوزاعي . فكتبوا ذلك ، فوجد كذلك في ذلك اليوم .
قال عباس الدوري : سمعت يحيى يقول : مات الأوزاعي في الحمام .
أحمد بن عيسى المصري : حدثني خيران بن العلاء -وكان من خيار أصحاب الأوزاعي- قال : دخل الأوزاعي الحمام ، وكان لصاحب الحمام حاجة ، فأغلق عليه الباب وذهب ، ثم جاء ، ففتح ، فوجد الأوزاعي ميتا مستقبل القبلة .
ابن زبر : حدثنا إسحاق بن خالد ، حدثنا أبو مسهر ، قال : بلغنا موت الأوزاعي ، وأن امرأته أغلقت عليه باب الحمام ، غير متعمدة ، فمات ، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة ، ولم يخلف سوى ستة دنانير ، فضلت من عطائه ، وكان قد اكتتب -رحمه الله- في ديوان الساحل .
العباس بن الوليد بن مزيد : سمعت عقبة بن علقمة قال : سبب موت الأوزاعي أنه اختضب ، ودخل الحمام الذي في منزله ، وأدخلت معه امرأته كانونا فيه فحم ، لئلا يصيبه البرد ، وأغلقت عليه من بَرَّا ، فلما هاج الفحم ، ضعفت نفسه ، وعالج الباب ليفتحه ، فامتنع عليه ، فألقى نفسه ، فوجدناه موسدا ذراعه إلى القبلة .
قال العباس بن الوليد : وحدثني سالم بن المنذر ، قال : لما سمعت الضجة بوفاة الأوزاعي ، خرجت ، فأول من رأيت نصرانيا ، قد ذر على رأسه الرماد ، فلم يزل المسلمون من أهل بيروت يعرفون له ذلك ، وخرجنا في جنازته أربعة أمم : فحمله المسلمون ، وخرجت اليهود في ناحية ، والنصارى في ناحية ، والقبط في ناحية .
قال ابن المديني : مات الأوزاعي سنة
إحدى وخمسين ومائة
.
قلت : هذا خطأ . وقال هشام بن عمار ، عن الوليد بن مسلم : في سنة
ست وخمسين
فوهم هشام ؛ لأن صفوان بن صالح روى عن الوليد هو وغيره ، والوليد بن مزيد ، ويحيى القطان ، وأبو مسهر وعدة ، قالوا : مات سنة
سبع وخمسين ، ومائة
وزاد بعضهم فقال : في صفر ، وفيها مات .
قال ابن أبي الدنيا : حدثني أبو جعفر الآدمي قال : قال يزيد بن مذعور : رأيت الأوزاعي في منامي ، فقلت : دلني على درجة أتقرب بها إلى الله ، فقال : ما رأيت هناك أرفع من درجة العلماء ، ومن بعدها درجة المحزونين .
ترجمة الأوزاعي في "تاريخ" الحافظ ابن عساكر في أربعة كراريس
وهو أول من دون العلم بالشام ، وبلغنا أنه كان يعمتم بعمامة مدورة بلا عذبة
-رحمه الله تعالى.
الحاكم : حدثنا أبو بكر الإسماعيلي إملاء ، أنبأنا محمد بن خلف بن المرزبان ، أنبأنا أبو نشيط محمد بن هارون ، حدثنا الفريابي ، قال : اجتمع الثوري
والأوزاعي وعباد بن كثير
بمكة ، فقال الثوري للأوزاعي : حدثنا يا أبا عمرو حديثك مع عبد الله بن علي . قال : نعم ، لما قدم الشام ، وقتل بني أمية ، جلس يوما على سريره ، وعبأ أصحابه أربعة أصناف : صنف معهم السيوف المسللة ، وصنف معهم الجزرة ، أظنها الأطبار
وصنف معهم الأعمدة ، وصنف معهم الكافركوب
ثم بعث إلي ، فلما صرت بالباب ، أنزلوني ، وأخذ اثنان بعضدي ، وأدخلوني بين الصفوف حتى أقاموني مقاما يسمع كلامي ، فسلمت . فقال : أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي؟ قلت : نعم ، أصلح الله الأمير.
قال : ما تقول في دماء بني أمية ؟ -فسأل مسألة رجل
يريد أن يقتل رجلا- فقلت : قد كان بينك وبينهم عهود . فقال : ويحك ! اجعلني وإياهم لا عهد بيننا . فأجهشت
نفسي ، وكرهت القتل ، فذكرت مقامي بين يدي الله -عز وجل- فلفظتها ، فقلت : دمائهم عليك حرام ، فغضب ، وانتفخت عيناه وأوداجه ، فقال لي : ويحك ، ولم ؟ ! قلت : قال وسول الله -صلى الله عليه وسلم-
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : ثيب زان ، ونفس بنفس ، وتارك لدينه
قال : ويحك ، أوليس الأمر لنا ديانة ؟ ! قلت : وكيف ذاك ؟ . قال : أليس كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أوصى إلى علي ؟
قلت : لو أوصى إليه ما حكم الحكمين . فسكت ، وقد اجتمع غضبا ، فجعلت أتوقع رأسي تقع بين يدي ، فقال بيده : هكذا -أومأ أن أخرجوه- فخرجت ، فركبت دابتي ، فلما سرت غير بعيد ، إذا فارس يتلوني ، فنزلت إلى الأرض ، فقلت : قد بعث ليأخذ رأسي ، أصلي ركعتين ، فكبرت ، فجاء -وأنا قائم أصلي- فسلم ، وقال : إن الأمير قد بعث إليك بهذه الدنانير فخذها . فأخذتها ، ففرقتها قبل أن أدخل منزلي . فقال سفيان : ولم أردك أن تحيد حين قال لك ما قال.
الوليد بن مزيد : سمع الأوزاعي يقول : لا ينبغي للإمام أن يخص نفسه بشيء من الدعاء ، فإن فعل فقد خانهم
.
العباس بن الوليد : حدثني عباس بن نجيح الدمشقي ، حدثني عون بن حكيم قال : حججت مع الأوزاعي ، فلما أتى المدينة ، وأتى المسجد ، بلغ مالكا مقدمه ، فأتاه ، فسلم عليه ، فلما صليا الظهر تذاكرا أبو اب العلم ، فلم يذكرا بابا إلا ذهب عليه الأوزاعي فيه ، ثم صلوا العصر ، فتذاكرا ، كل يذهب عليه الأوزاعي فيما يأخذان فيه ، حتى اصفرت الشمس ، أو قرب اصفرارها ، ناظره مالك في باب المكاتبة والمدبر
.
العباس بن الوليد : حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، قال : كنا عند أبي إسحاق الفزاري ، فذكر الأوزاعي ، فقال : ذاك رجل كان شأنه عجيا ، كان يسأل عن الشيء عندنا فيه الأثر ، فيرد -والله- الجواب ، كما هو في الأثر ، لا يقدم منه ولا يؤخر .
الوليد بن مسلم : سمعت صدقة بن عبد الله يقول : ما رأيت أحدا أحلم ولا أكمل ولا أحمل فيما حمل من الأوزاعي .
العباس بن الوليد : سمعت أبا مسهر يقول : كان الأوزاعي يقول : ما عرضت فيما حمل عني أصح من كتب الوليد بن مزيد .
أبو فروة ، يزيد بن محمد الرهاوي : سمعت أبى يقول : قلت لعيسى بن يونس : أيهما أفضل : الأوزاعي أو سفيان ؟ فقال : وأين أنت من سفيان ؟
قلت : يا أبا عمرو : ذهبت بك العراقية ، الأوزاعي ، فقهه ، وفضله ، وعلمه ! فغضب ، وقال : أتراني أؤثر على الحق شيئا . سمعت الأوزاعي يقول : ما أخذنا العطاء حتى شهدنا على علي بالنفاق ، وتبرأنا منه ، وأخذ علينا بذلك
الطلاق والعتاق وأيمان البيعة ، قال : فلما عقلت أمري ، سألت مكحولا ويحيى بن أبي كثير ، وعطاء بن أبي رباح ، وعبد الله بن عبيد بن عمير ، فقال : ليس عليك شيء ، إنما أنت مكره ، فلم تقر عيني . حتى فارقت نسائي ، وأعتقت رقيقي ، وخرجت من مالي ، وكفرت أيماني . فأخبرني : سفيان كان يفعل ذلك؟
العباس بن الوليد : حدثنا أبو عبد الله بن فلان : سمعت الأوزاعي يقول : نتجنب من قول أهل العراق خمسا ، ومن قول أهل الحجاز خمسا . من قول أهل العراق : شرب المسكر ، والأكل عند الفجر في رمضان ، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار ، وتأخير العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثاله ، والفرار يوم الزحف . ومن قول أهل الحجاز : استماع الملاهي ، والجمع بين الصلاتين من غير عذر ، والمتعة بالنساء ، والدرهم بالدرهمين ، والدينار بالدينارين يدا بيد ، وإتيان النساء في أدبارهن
.
عن سعيد بن سالم صاحب الأوزاعي : قدم أبو مرحوم من مكة على الأوزاعي ، فأهدى له طرائف ، فقال له : إن شئث قبلت منك ، ولم تسمع مني حرفا ، وإن شئت ، فضم هديتك ، واسمع .
قال الوليد بن مسلم : قلت لسعيد بن عبد العزيز : من أدركت من التابعين كان يبكر إلى الجمعة ؟ قال : ما رأيت أبا عمرو ؟ قلت : بلى . قال : فإنه قد كفا من قبله ، فاقتد به ، فلنعم المقتدى .
موسى بن أعين : قال الأوزاعي : كنا نضحك ونمزح ، فلما صرنا يقتدى بنا ، خشيت أن لا يسعنا التبسم . قال الوليد بن مزيد : رأيت الأوزاعي يعتم ، فلا يرخي لها شيئا .
ذكر بعض الحفاظ أن حديث الأوزاعي نحو الألف -يعني المسند- أما المرسل والموقوف ، فألوف . وهو في الشاميين نظير معمر
لليمانيين ، ونظير الثوري
للكوفيين ، ونظير مالك للمدنيين ، ونظير الليث للمصريين ، ونظير حماد بن سلمة
للبصريين .
أخبرنا أحمد بن إسحاق القرافي بها ، أنبأنا المبارك بن أبي الجود ببغداد ، أنبأنا أحمد بن أبي غالب الزاهد ، أنبأنا عبد العزيز بن علي الأنماطي ، أنبأنا الشيخ أبو طاهر المخلص ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا شعيب بن إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني يحيى بن
أبي كثير ، حدثني أبو قلابة الجرمي ، حدثني أنس بن مالك ، قال :
قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية نفر من عكل ، فاجتووا المدينة
فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فأتوها ، فقتلوا رعاتها ، واستاقوا الإبل . فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طلبهم قافة ، فَأَتَى بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ثم لم يحسمهم
أخرجه البخاري ، عن رجل ، عن شعيب
.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي ، أنبأنا الحسن بن علي بن الحين بن الحسن الأسدي الدمشقي ، أنبأنا جدي ، أنبأنا علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء الفقيه ، حدثنا محمد بن الفضل الفراء بمصر ، أنبأنا أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين السندي ، حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا محمد بن كثير ، سمعت الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال :
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين
هذا حديث حسن اللفظ ، لولا لين في محمد بن كثير المصيصي لصحح . أخرجه الترمذي ، وحسنه عن الحسن بن الصباح ، عن ابن كثير . وأخرجه الحافظ الضياء
في "المختارة" عن هذا الأسدي . [/b]
| |
|