أربعُُ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، من كان فيه خصْلَةُُ منهن كان فيه خصلة من النفاق .
حديث عبد الله بن عمر أن النبي صل الله عليه وسلم قال : أربعُُ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، من كان فيه خصْلَةُُ منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".متفق عليه اللؤلؤ والمرجان .
من نفحات الحديث :
الواحدة من هذه الخصال الذميمة كفيلة بإهلاك العبد ما لم يتب فما بالك لو اجتمعن كلهن في إنسان .. إنها ستكون ظلمات من فوقها ظلمات والعياذ بالله.
وكل خصلة منهن تدل علي الباطل والميل عن الحق لذا كان ذكرها في حديث واحد ووصفها بالنفاق من بلاغة النبي صل الله عليه وسلم وحسن تنسيقه وتوجيهه فالخيانة للأمانة والكذب وخلف العهد وغدره والفجر في المخاصمة كلها باطل وظلم ومنافاة للحقائق وتزييف وخداع.
* أما الخصومة : فقد مر بنا التقاطع والتدابر والتباغض والسب والتشاحن والهجر أما وصفها بالفجر فلأنه يميل عن الحق في الخصومة ويقول الباطل والعياذ بالله ، وأما الكذب : فقد مر بنا الكلام عنه وأنه أساس كل شر حيث أنه يهدى إلي الفجور ، والعلاقة هنا بين (إذا حدث كذب وإذا خاصم فجر) واضحة. لتبقي لنا مسألتان في أمر الكذب :
الأولي : أنه لا يجوز الكذب ولو كنت مازحاً فإذا مزحت فامزح بصدق : يعني لا تقل مثلا حدث كذا أو رأيت كذا وكنت لم تكن رأيت ولا حدث ما حدث فيصدقك من سمعك وأنت تريد المزاح فهذا كذب وأنه ليس هناك كذبة بيضاء وأخري سوداء فالكذب كذب وهذا بخلاف النكتة فإن الذي يسمعها يعلم أنها نكتة فلا غرر فيها ، والله أعلم .
الثانية : أن الكذب لا يجوز إلا في ثلاثة أمور يقول صلى الله عليه وسلم : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً) متفق عليه
وفي مسلم قالت أم كلثوم : ولم أسمعه يرخص في شئ مما يقول الناس إلا في ثلاث تعني الحرب،والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجهاً .
قال صاحب اللؤلؤ: ( فينمي خيراً : يقال : نميت الحديث أنميه إذا بَلَّغْتهَ علي وجه الإصلاح وطلب الخير ، فإذا بلغته علي وجه الإفساد والنميمة قلت : نميت ، كذا قال: أبو عبيد وابن قتيبة والجمهور . وليس المراد نفي ذات الكذب بل نفي إثمه فالكذب كذب سواء كان للإصلاح أو لغيره . وقد يرخص في بعض الأوقات في الفساد الذي يؤمل فيه الصلاح الكثير ) أ. هـ
ـ أما الغدر : فهو سبب الحديث الذي سقناه (أربع من كن .. ) حيث ذكي النووي باب تحريم الغدر ، قال ابن عثيمين : ( الغدر خيانة الإنسان في موضوع الاستئمان ، بمعني أن يأتمنك أحد في شئ ثم تغدر به سواء أعطيته عهداً أم لم تعطه وذلك لأن الذي ائتمنك : اعتمد عليك ووثق بك فإذا خنته فقد غدرت به."
وذكر النووي حديثين آخرين في نفس الباب لتغليظ أمر الغدر .
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان " متفق عليه
وذكر في معناه أيضا " لكل غادر لواء عند إسْتِه يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة ". رواه مسلم عند استه أي تحت مقعدته ويا لها من فضيحة يوم يقوم الأشهاد ويرفع اللواء بقدر غدرته إن كانت كبيرة صار كبيراً وإن كانت صغيرة صار صغيراً ، ويقال هذه غدرة فلان ابن فلان ، .
الثاني : قوله صل الله عليه وسلم : قال الله تعالي ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطي بي ثم غدر ـ يعني عاهد بي ثم غدر ـ ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفي منه ولم يعطه أجره . رواه البخاري.
وإنما ذكر النووي هذه الأحاديث للتحذير من الغدر والخيانة وقد أُمِرْنا أن نؤدي الأمانات إلي أهلها وأن توفي بالعهد [أن العهد كان مسئولاً]. وسنسأل عن ذلك يوم القيامة فماذا نقول؟؟