موضوع: كتاب الأقضية » الباب الأول في معرفة من يجوز قضاؤه الأحد أبريل 24, 2011 9:50 am
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الأقضية
وأصول هذا الكتاب تنحصر في ستة أبواب :
أحدها : في معرفة من يجوز قضاؤه .
والثاني : في معرفة ما يقضي به .
والثالث : في معرفة ما يقضي فيه .
e]ص: 768 ] والرابع : في معرفة من يقضي عليه أو له .
والخامس : في كيفية القضاء .
والسادس : في وقت القضاء .
الباب الأول
في معرفة من يجوز قضاؤه
والنظر في هذا الباب فيمن يجوز قضاؤه ، وفيما يكون به أفضل .
فأما الصفات المشترطة في الجواز : فأن يكون حرا مسلما بالغا ذكرا عاقلا عدلا . وقد قيل في المذهب إن الفسق يوجب العزل ويمضي ما حكم به .
واختلفوا في كونه من أهل الاجتهاد ، فقال الشافعي : يجب أن يكون من أهل الاجتهاد ومثله حكى عبد الوهاب عن المذهب ، وقال أبو حنيفة : يجوز حكم العامي .
قال القاضي : وهو ظاهر ما حكاه جدي رحمة الله عليه في المقدمات عن المذهب ; لأنه جعل كون الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة .
وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة ، فقال الجمهور : هي شرط في صحة الحكم ، وقال أبو حنيفة : يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال ، قال الطبري : يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء .
قال عبد الوهاب : ولا أعلم بينهم اختلافا في اشتراط الحرية .
فمن رد قضاء المرأة شبهه بقضاء الإمامة الكبرى ، وقاسها أيضا على العبد لنقصان حرمتها ، ومن أجاز حكمها في الأموال فتشبيها بجواز شهادتها في الأموال ، ومن رأى حكمها نافذا في كل شيء قال : إن الأصل هو أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى .
وأما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه ، ولا خلاف في مذهب مالك أن السمع والبصر والكلام مشترطة في استمرار ولايته وليس شرطا في جواز ولايته ، وذلك أن من صفات القاضي في المذهب ما هي شرط في الجواز ، فهذا إذا ولي عزل وفسخ جميع ما حكم به ومنها ما هي شرط في الاستمرار وليست شرطا في الجواز ، فهذا إذا ولي القضاء عزل ونفذ ما حكم به إلا أن يكون جورا . ومن هذا الجنس عندهم هذه الثلاث صفات .
ومن شرط القضاء عند مالك أن يكون واحدا . والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل واحد منهما ما يحكم فيه ، وإن شرط اتفاقهما في كل حكم لم يجز ، وإن شرط الاستقلال لكل واحد منهما فوجهان : الجواز والمنع ، قال : وإذا تنازع الخصمان في اختيار أحدهما وجب أن يقترعا عنده .
وأما فضائل القضاء فكثيرة ، وقد ذكرها الناس في كتبهم .
وقد اختلفوا في الأمي هل يجوز أن يكون قاضيا ؟ والأبين جوازه لكونه - عليه الصلاة والسلام - أميا ، وقال e]ص: 769 ] قوم : لا يجوز ، وعن الشافعي القولان جميعا ; لأنه يحتمل أن يكون ذلك خاصا به لموضع العجز ، ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم ، وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه لا خلاف أعرف فيه .
واختلفوا من هذا الباب في نفوذ حكم من رضيه المتداعيان ممن ليس بوال على الأحكام ، فقال مالك : يجوز ، وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يجوز ، وقال أبو حنيفة : يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد . الباب الثاني
في معرفة ما يقضى به
وأما فيما يحكم ، فاتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من الحقوق كان حقا لله أو حقا للآدميين ، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعنى وأنه يعقد الأنكحة ويقدم الأوصياء ، وهل يقدم الأئمة في المساجد الجامعة ؟ فيه خلاف ، وكذلك هل يستخلف ؟ فيه خلاف في المرض والسفر إلا أن يؤذن له ، وليس ينظر في الجباة ولا في غير ذلك من الولاة ، وينظر في التحجير على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم .
ومن فروع هذا الباب هل ما يحكم فيه الحاكم نحلة للمحكوم له به ، وإن لم يكن في نفسه حلالا ؟ وذلك أنهم أجمعوا على أن حكم الحاكم الظاهر الذي يعتريه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك في الأموال خاصة لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من النار " .
واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق وليس بحق ، إذ لا يحل حرام ، ولا يحرم حلال بظاهر حكم الحاكم دون أن يكون الباطن كذلك هل يحل ذلك أم لا ؟ فقال الجمهور : الأموال والفروج في ذلك سواء ، لا يحل حكم الحاكم منها حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك مثل أن يشهد شاهدا زور في امرأة أجنبية أنها زوجة لرجل أجنبي ليست له بزوجة ، فقال الجمهور : لا تحل له وإن أحلها الحاكم بظاهر الحكم ، وقال أبو حنيفة وجمهور أصحابه : تحل له .
فعمدة الجمهور عموم الحديث المتقدم ، وشبهة الحنفية أن الحكم باللعان ثابت بالشرع ، وقد علم أن أحد المتلاعنين كاذب ، واللعان يوجب الفرقة ، ويحرم المرأة على زوجها الملاعن لها ويحلها لغيره ، فإن كان هو الكاذب فلم تحرم عليه إلا بحكم الحاكم ، وكذلك إن كانت هي الكاذبة; لأن زناها لا يوجب فرقتها على قول أكثر الفقهاء ، والجمهور أن الفرقة هاهنا إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب .
فيما يكون به القضاء
والقضاء يكون بأربع : بالشهادة ، وباليمين ، وبالنكول ، وبالإقرار ، أو بما تركب من هذه ففي هذا الباب أربعة فصول .
e]ص: 770 ] الفصل الأول في الشهادة .
والنظر في الشهود في ثلاثة أشياء : في الصفة ، والجنس ، والعدد .
[ صفات الشهود ]
فأما عدد الصفات المعتبرة في قبول الشاهد بالجملة فهي خمسة : العدالة ، والبلوغ ، والإسلام ، والحرية ، ونفي التهمة . وهذه منها متفق عليها ، ومنها مختلف فيها .
1 - أما العدالة ، فإن المسلمين اتفقوا على اشتراطها في قبول شهادة الشاهد لقوله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء ) ولقوله تعالى : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) واختلفوا فيما هي العدالة ، فقال الجمهور : هي صفة زائدة على الإسلام ، وهو أن يكون ملتزما لواجبات الشرع ومستحباته ، مجتنبا للمحرمات والمكروهات ، وقال أبو حنيفة : يكفي في العدالة ظاهر الإسلام ، وأن لا تعلم منه جرحة .
ولم يختلفوا أن الفاسق تقبل شهادته إذا عرفت توبته ، إلا من كان فسقه من قبل القذف ، فإن أبا حنيفة يقول : لا تقبل شهادته وإن تاب . والجمهور يقولون : تقبل .
2 - وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة . واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل ، فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ ، ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال ، ولذلك اشترط فيها أن لا يتفرقوا لئلا يجبنوا .
واختلف أصحاب مالك هل تجوز إذا كان بينهم كبير أم لا ؟ ولم يختلفوا أنه يشترط فيها العدة المشترطة في الشهادة .
واختلفوا هل يشترط فيها الذكورة أم لا ؟ واختلفوا أيضا هل تجوز في القتل الواقع بينهم ؟ ولا عمدة لمالك في هذا إلا أنه مروي عن ابن الزبير . قال الشافعي : فإذا احتج محتج بهذا قيل له : إن ابن عباس قد ردها ، والقرآن يدل على بطلانها ، وقال بقول مالك ابن أبي ليلى وقوم من التابعين ، وإجازة مالك لذلك هو من باب إجازته قياس المصلحة .
e]ص: 771 ] فقال أبو حنيفة : يجوز ذلك على الشروط التي ذكرها الله ، وقال مالك والشافعي : لا يجوز ذلك ، ورأوا أن الآية منسوخة .
4 - وأما الحرية ، فإن جمهور فقهاء الأمصار على اشتراطها في قبول الشهادة ، وقال أهل الظاهر : تجوز شهادة العبد ; لأن الأصل إنما هو اشتراط العدالة ، والعبودية ليس لها تأثير في الرد ، إلا أن يثبت ذلك من كتاب الله أو سنة أو إجماع ، وكأن الجمهور رأوا أن العبودية أثر من أثر الكفر فوجب أن يكون لها تأثير في رد الشهادة .
5 - وأما التهمة التي سببها المحبة ، فإن العلماء أجمعوا على أنها مؤثرة في إسقاط الشهادة . واختلفوا فيرد شهادة العدل بالتهمة لموضع المحبة أو البغضة التي سببها العداوة الدنيوية ، فقال بردها فقهاء الأمصار ، إلا أنهم اتفقوا في مواضع على إعمال التهمة ، وفي مواضع على إسقاطها ، وفي مواضع اختلفوا فيها فأعملها بعضهم وأسقطها بعضهم .
فمما اتفقوا عليه رد شهادة الأب لابنه والابن لأبيه ، وكذلك الأم لابنها ، وابنها لها .
ومما اختلفوا في تأثير التهمة في شهادتهم شهادة الزوجين أحدهما للآخر ، فإن مالكا ردها وأبا حنيفة ، وأجازها الشافعي وأبو ثور ، والحسن ، وقال ابن أبي ليلى : تقبل شهادة الزوج لزوجه ولا تقبل شهادتها له ، وبه قال : النخعي .
ومما اتفقوا على إسقاط التهمة فيه شهادة الأخ لأخيه ما لم يدفع بذلك عن نفسه عارا على ما قال مالك ، وما لم يكن منقطعا إلى أخيه يناله بره وصلته ، ما عدا الأوزاعي فإنه قال : لا تجوز .
ومن هذا الباب اختلافهم في قبول شهادة العدو على عدوه ، فقال مالك والشافعي : لا تقبل ، وقال أبو حنيفة : تقبل .
فعمدة الجمهور في رد الشهادة بالتهمة ما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين " وما خرجه أبو داود من قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تقبل شهادة بدوي على حضري " ، لقلة شهود البدوي ما يقع في المصر ، فهذه هي عمدتهم من طريق السماع .
وأما من طريق المعنى فلموضع التهمة ، وقد أجمع الجمهور على أن تأثيرها في الأحكام الشرعية مثل اجتماعهم على أنه يرث القاتل المقتول ، وعلى توريث المبتوتة في المرض وإن كان فيه خلاف .
وأما الطائفة الثانية ( وهم شريح وأبو ثور ، وداود ) فإنهم قالوا تقبل شهادة الأب لابنه فضلا عمن سواه إذا كان الأب عدلا .
وأما من طريق النظر ، فإن لهم أن يقولوا رد الشهادة بالجملة إنما هو لموضع اتهام الكذب ، وهذه التهمة إنما اعتملها الشرع في الفاسق ومنع إعمالها في العادل ، فلا تجتمع العدالة مع التهمة .
e]ص: 772 ] [ عدد الشهود وجنسهم ]
وأما النظر في العدد والجنس ، فإن المسلمين اتفقوا على أنه لا يثبت الزنى بأقل من أربعة عدول ذكور ، واتفقوا على أنه تثبت جميع الحقوق ما عدا الزنى بشاهدين عدلين ذكرين ما خلا الحسن البصري ، فإنه قال : لا تقبل بأقل من أربعة شهداء تشبيها بالرجم ، وهذا ضعيف لقوله سبحانه ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) .
وكل متفق أن الحكم يجب بالشاهدين من غير يمين المدعي ، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال : لا بد من يمينه .
واتفقوا على أنه تثبت الأموال بشاهد عدل ذكر وامرأتين لقوله تعالى : ( فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) واختلفوا في قبولهما في الحدود ، فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات ، وقال أهل الظاهر : تقبل إذا كان معهن رجل وكان النساء أكثر من واحدة في كل شيء على ظاهر الآية ، وقال أبو حنيفة : تقبل في الأموال وفيما عدا الحدود من أحكام الأبدان مثل الطلاق والرجعة والنكاح والعتق ، ولا تقبل عندمالك في حكم من أحكام البدن .
واختلف أصحاب مالك في قبولهن في حقوق الأبدان المتعلقة بالمال ، مثل الوكالات والوصية التي لا تتعلق إلا بالمال فقط ، فقال مالك ، وابن القاسم ، وابن وهب : يقبل فيه شاهد وامرأتان ، وقال أشهب ، وابن الماجشون : لا يقبل فيه إلا رجلان .
وأما شهادة النساء مفردات ( أعني : النساء دون الرجال ) فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبا مثل الولادة والاستهلال وعيوب النساء . ولا خلاف في شيء من هذا إلا في الرضاع ، فإن أبا حنيفة قال : لا تقبل فيه شهادتهن إلا مع الرجال ; لأنه عنده من حقوق الأبدان التي يطلع عليها الرجال والنساء .
والذين قالوا بجواز شهادتهن مفردات في هذا الجنس اختلفوا في العدد المشترط في ذلك منهن ، فقال مالك : يكفي في ذلك امرأتان ، قيل مع انتشار الأمر ، وقيل إن لم ينتشر ، وقال الشافعي : ليس يكفي في ذلك أقل من أربع ; لأن الله عز وجل قد جعل عديل الشاهد الواحد امرأتين ، واشترط الاثنينية ، وقال قوم : لا يكتفي بذلك أقل من ثلاث وهو قول لا معنى له ، وأجاز أبو حنيفة شهادة المرأة فيما بين السرة والركبة ، وأحسب أن الظاهرية أو بعضهم لا يجيزون شهادة النساء مفردات في كل شيء كما يجيزون شهادتهن مع الرجال في كل شيء وهو الظاهر .
وأما شهادة المرأة الواحدة بالرضاع ، فإنهم أيضا اختلفوا فيها لقوله - عليه الصلاة والسلام - في المرأة الواحدة التي شهدت بالرضاع : " كيف وقد أرضعتكما " ، وهذا ظاهره الإنكار ، ولذلك لم يختلف قول مالك في أنه مكروه .
محمد ال حمزة Admin
عدد المساهمات : 23 تاريخ التسجيل : 10/03/2011
موضوع: رد: كتاب الأقضية » الباب الأول في معرفة من يجوز قضاؤه الأحد أبريل 24, 2011 9:59 am
[b]جزاك الله خيرررر ابو شادى نورت المنتدى جعل الله مكل حرف فى ميزان حسناتك ورزقك الفردوس الاعلى من الجنات اللهم امين واياك[/b]